21 نوفمبر 2025 - 08:15
مصدر: أبنا
آیة الله ابوالقاسم علیدوست: فَتْرَةُ انكشافِ السَّرائرِ وتَساقُطِ الخواصّ

على القائمين على تلك المواقع والقنوات أن يُدركوا أنّ علماء الإماميّة المصلحين ـ وإن كانوا ملتزمين بجمع كلمة المسلمين، داعين إلى نبذ الفرقة والاختلاف، عاملين بوصايا أئمّتهم المعصومين عليهم السلام ـ إلّا أنّهم، متى شعروا بأنّ صمتهم يُبدّلُ موقعَ المتَّهَم بالمدّعي، ويجعلُ المسلّماتِ التاريخيّة عرضةً للطعن والتشكيك، اضطرّوا، بحكم الفطرة والإنصاف، إلى الدفاع عن تراث أمّتهم، وكشفِ حقائق صدر الإسلام للجيل الحاضر.

وفقا لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـ ابنا ـ في كلّ عام، ومع حلول أيّام استشهاد فاطمة الزهراء عليها السلام، تُقدِمُ بعضُ المواقع والقنوات المنسوبة إلى طائفةٍ من أهل السنّة على إنكار الأحداث التي جرت في الفترة الواقعة بين ارتحال النبيّ العظيم ﷺ وبين استشهاد بنته فاطمة الزهراء عليها السلام، وما آلت إليه تلك الوقائع من انتهائها إلى شهادتها. ثمّ يتبع هذا الإنكار اتهامُ أئمّة أهل البيت عليهم السلام وعلماءِ الشيعة، لمجرّد أنّهم نقلوا ما أصابَ الصدّيقةَ الطاهرة من المظالم والآلام.

وذلك كلّه مع أنّ روايةَ تلك المصائب المشارِ إليها ـ ولا سيّما واقعة الهجوم على بيتِ الصدّيقةِ الطاهرة عليها السلام ـ من الأخبار التاريخيّة الموثَّقة، وقضیة غضبها على الخليفة الأوّل قد وردت بنصوصٍ صريحةٍ في مصادرٍ سنّيةٍ معتبرةٍ ومتعدّدة، لا مجالَ لإنكارها ولا سبيلَ إلى دفْعِها.
(انظر على سبيل المثال: صحيح البخاري، ج ٨، ص ١٨٥؛ المصدر نفسه، ج ٤، ص ٩٦؛ الإمامة والسياسة، ج ١، ص ٣٠؛ أنساب الأشراف، ج ١، ص ٥٨٦؛ المصنّف، ج ٨، ص ٥٧٢؛ المعجم الكبير، ج ١، ص ٦٢؛ كنز العمّال، ج ٥، ص ٦٣٢؛ العقد الفريد، ج ٥، ص ٢١؛ تاريخ دمشق، ج ٣٠، ص ٤٣٠؛ مجمع الزوائد، ج ٥، ص ٢٠٣؛ وغيرها).

وبهذه المناسبة، يُدلي راقمُ هذه السطور بجملةٍ من الملاحظات:
١. على القائمين على تلك المواقع والقنوات أن يُدركوا أنّ علماء الإماميّة المصلحين ـ وإن كانوا ملتزمين بجمع كلمة المسلمين، داعين إلى نبذ الفرقة والاختلاف، عاملين بوصايا أئمّتهم المعصومين عليهم السلام ـ إلّا أنّهم، متى شعروا بأنّ صمتهم يُبدّلُ موقعَ المتَّهَم بالمدّعي، ويجعلُ المسلّماتِ التاريخيّة عرضةً للطعن والتشكيك، اضطرّوا، بحكم الفطرة والإنصاف، إلى الدفاع عن تراث أمّتهم، وكشفِ حقائق صدر الإسلام للجيل الحاضر.

ولا ريب أنّ مآلات هذا الكشف، وثمرات هذا الإيضاح، ليست ممّا يُسِرُّ حضراتكم!

٢. ثمّ أسألكم: أَتَدبَّرْتُم حقّاً في سببِ امتناع أسلافكم، وتحريمهم تحليلَ تاريخ صدر الإسلام؟! ولماذا مَنَعوا من الخوض في أخبار تلك الحقبة التي كانت «فترةَ افتضاحِ بعض السرائر غير الصالحة، وانهيارِ طائفةٍ من الخواصّ»؟!

تأمّلوا في ذلك من خلال ما قرّروه تحت قاعدة: «الإمساك عمّا شجر بين الصحابة» و «الإمساك عن الخوض في ما وقع بينهم».

وانظروا ـ على سبيل المثال: مجموع الفتاوى، ج ٤، ص ٣٣٢؛ الصواعق المحرقة، ج ٢، ص ٦٢١؛ تطهير الجَنان واللسان، ص ١٥١؛ تسديد الإصابة فيما شجر بين الصحابة، ج ١، ص ١٢١؛ منهاج السنّة النبويّة، ج ٦، ص ٢٥٤؛ التحرير والتنوير، ج ٦، ص ٢٢١؛ الجامع لأحكام القرآن، ج ١٦، ص ٣٢١؛ الإبانة الكبرى، ج ٦، ص ٢٨٧؛ التوحيد والعقيدة، ص ٤٠١؛ مقالات الإسلاميين، ج ١، ص ٢٩٤؛ فتح الباري في شرح صحیح البخاري ، ج ١٣، ص ٣٤؛ اعتقاد أهل السنة، ج ١، ص ١٧٧؛ وغيرها.

ومن الواضح أنّه مع انكشافِ وقائعِ تلك الحقبة، التي كانت مصائبُ الصدّيقةِ الطاهرة عليها السلام جزءاً منها، تتعرّضُ ارکان جملةٌ من المعتقدات للارتجاج والتزلزل، فتخضع للمساءلة والتأمّل. ولهذا رأى أسلافُكم أنّ الحكمة ـ خلافاً لمقتضى العقل والنقل ـ في تحريم تحليل ذلك التاريخ، والمنع من الاطّلاع على أحداثه، فما بالكم اليوم تفتحون الأبواب لِما يُلزِم كثيرين بالكلام والكتابة عن تلك الوقائع، والدفاعِ عن مذهبهم وعقيدتهم؟!

٣. وينصح صاحبُ هذا القلم حضراتِكم أن تجعلوا أيّام الفاطميّة أيّامَ صمتٍ وسكينة؛ تحدّثوا فيها عن التفسير، والأحكام، والمعاد، والأخلاق، وما شئتم من علوم الدين، ولكن لا تُقْحِموا أنفسكم في نقل أحداث تلك الحقبة، لا إثباتاً ـ وهو ممّا يضرّكم ـ ولا إنكاراً، فذلك ليس في صالحكم.

٤. وفي أوساط أهل السنّة من العلماءِ والأساتذةِ والطلبةِ والباحثين مَن لو اطّلع على الحقيقة لسلك غير الطريق الذي تسلكون. فلا تُلجِئوا المحقّقين والباحثين إلى كشف تلك الحقائق المرّة وإعلانها.
هذا بلاغٌ منّا، والسلام.

قُم، الحوزة العلميّة
أبو القاسم علیدوست

..................

انتهى / 232

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha